فصل: الباب الخامس: في شروط الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الباب الخامس: في شروط الصلاة:

وهي خمسة:

.(الشرط) الأول: الطهارة عن الحدث:

فهي شرط في الابتداء والدوام، حتى لو أحدث في الصلاة عمدا أو سهوا بطلت، وكذلك لو سبقه الحدث.

.الشرط الثاني: طهارة الخبث في الثوب والبدن والمكان:

وقد تقدم الخلاف في أنها واجبة مع الذكر، أو مع الذكر والنسيان، أو هي سنة.
وإذا قلنا بالوجوب، ففي كونها شرطا في صحة الصلاة خلاف.
ثم إذا قلنا بالشرطية، فهل على الإطلاق أو مع الذكر؟ قولان القاضيين أبي الحسن وأبي محمد.
ثم النظر فيما يطهر عن النجاسة، وهو الثوب والبدن والمكان.
أما الثوب، فإن أصاب أحد ثوبيه نجاسة ولم يميزه، تحرى، فما غلب على ظنه أنه الطاهر منهما صلى به، وقيل: أنه يصلي بكل واحدة صلاة. قال القاضي أبو بكر: والصحيح الأول.
ولو أصاب بعض ثوبه نجاسة، ولم يعلم موضعها، لم يجز التحري، وغسل جميعه بخلاف الثوبين؛ لأن أصلهما الطهارة، فيستند اجتهاده إليها، والأصل في الواحد النجاسة بعد الإصابة.
ولو قسم هذا الثوب نصفين، لم يجز التحري أيضا، لجواز أن تنقسم النجاسة فيهما.
ولو تحقق أن النجاسة أصابت أحد الكمين، فقال القاضي أبي بكر: يجوز الاجتهاد كالثوبين باختلاف بين العلماء، ثم قال: فإن فصلهما جاز الاجتهاد إجماعا.
ولو كان طرف عمامته على نجاسة، فرأى أبو محمد عبد الحق: أن المراعى في ذلك تحرك موضع النجاسة، فإن تحرك بحركته، فهو كالمصلي وفي بعض ثيابه نجاسة، وإن لم يتحرك فليس كذلك. وفي السليمانية: يعيد في الوقت، وإن كانت العمامة طويلة، وعلل بأنه صلى والنجاسة متعلقة به؛ إذ لو اضطره أمر فتنحى عن المكان الذي يصلي فيه، جر النجاسة متعه.
فرع:
إذا رأى المصلي في ثوبه نجاسة، يؤمر بإزالتها، فقال في الكتاب: ينزعه ويستأنف الصلاة من أولها بإقامة جديدة، ولا يبنى على شيء مما مضى.
وقال ابن الماجشون: ينزعه إذا أمكنه ويتمادى، وإن لم يمكنه تمادى، ثم نزعه وأعاد.
وقال مطرف: يقطع إلا أن يمكنه النزع، فينزعه ويتمادى.
ولو كان رآها قبل الصلاة، فترك إزالتها إلى وقت الصلاة، فلما كان وقت الصلاة نسي إزالتها فصلى بها، فحكى القاضي أبو بكر عن بعض العلماء: أن عليه الإعادة، لأنه فرط، ثم استضعفه، واستشهد بتعلق الوجوب بوقت الصلاة دون ما قبله.
قال القاضي أبو بكر: فإن رآها في أثناء الصلاة، فلما هم بالانصراف نسي فتمادى أعاد أبدا، قاله ابن حبيب، ووجهه أن الصلاة برؤية النجاسة انتقضت، قال: وعندي أنها لم تنتقض، إذ لو انتقضت لما عادت بطرحه، وإنما وجب عليه إزالتها، ونسيانه آخرا كنسيانه أولا، قال: وإنما ذلك بناء على أحد القولين في المدونة.
ولو سال جرحه في الصلاة، أو نكأ قرحته فيها فسالت، فقال القاضي أبو بكر: إن كان يسرا فلته ومضى، وإن كان كثيرا ففيه قولان: أحدهما يقطع، والثاني يغسله ويتمادى، قال: والأول أقيس وأجزى.
وأما البدن، فقد تقدم أن تطهيره بالغسل إن تحققت نجاسته، وإن شك فيها اجتزى بالنضح على المشهور.
فلو جعل في جرحه المرتك الذي يصنع من عظام الميتة أو غيره نم النجاسات، فلا يصلي به حتى يغسل. ورخص ابن الماجشون في ترك غسله، وأجاز الصلاة.
وأما المكان، فليكن كل ما يماس بدنه عند القيام والجلوس والسجود طاهرا، فلو صلى على حصر أو نحوه مما ينتقل وطرفه متصل بنجاسة، ففي إنزالها منزلة المتصلة ببدنه قولان للمتأخرين، واختيار عبد الحق أنها لا تنزل منزلتها.
ومما يتصل بمكان الصلاة نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في سبعة مواطن: المزبلة، والمجزرة،
وقارعة الطريق، وبطن الوادي، والحمام، وظهر الكعبة، وأعطان الإبل وهو مجتمعها عند الصدر من المنهل.
واختلف في علة ذلك، فقيل: كونها لا يؤمن نفارها، وقيل: زفورتها، وقيل: كونها يستتر بها في العادة عند قضاء الحاجة، وقيل: كونها خلقت من جان.
هذا حكم النجاسات التي لا عذر في استصحابها. أما مظان الأعذار فخمس:
الأولى: الأثر على محل النجو بعد الاستجمار، فلو صلى من استجمر في ثوب فعرق فيه، فأصاب موضع الاستنجاء، جرى على الخلاف بين القاضيين أبي الحسن وأبي الوليد، كما تقدم.
الثانية: يعفى من طين الشوارع عما يتعذر الاحتراز عنه غالبا، وكذا ما على الخف في حق المصلي معه، كما سبق في كتاب الطهارة.
الثالثة: دم البراغيث معفو عنه، إلا إذا كثر كثرة يندر وقوعها، ويختلف ذلك بالأوقات والأماكن.
الرابعة: دم البثرات وقيحها وصديدها، وقد تقدم أنه معفو عنه في حق من وجد منه، فإن أصابه من بدن غيره، ففي العفو عنه قولان.
الخامسة: الجاهل بنجاسة ثوبه، يجري حكمه في القضاء على الخلاف المتقدم، وكذلك المتعمد.
فرع:
ويلتحق بذلك ما لو رعف في الصلاة، وكان الدم بحيث يعلم أنه لا ينقطع، فإنه يتم الصلاة على حاله، وله الإيماء بالركوع والسجود، وإن كان ركوعه وسجوده يضر بجسمه.
وإن كان إنما يضر به من جهة تلطخ ثيابه بالدم، ففي جواز الإيماء له من أجل ذلك قولان.
وإن كان يرجو انقطاعه أو يشك فيه، فليفتله بأصابعه، ويمضي على صلاته إن كان لا يقصر ولا يسيل، وإن قطر أو سال، فإن تلطخ به الكثير من جسده أو ثيابه قطع الصلاة، وإن لم يتلطخ به ذلك، فها هنا الأولى له أن يقطع، فإن أحب التمادي على صلاته بأن يخرج فيغسل الدم عنه، ثم يعود إلى الصلاة، فله الترخص بذلك إن كان في جماعة وعقد الركعة، وإن كان فذا ولم يعقد ركعة، فظاهر الكتاب أن له البناء أيضا، وقيل: ليس له ذلك.
وسب الخلاف: الاختلاف في أن البناء لحرمة الصلاة أو لحرمة الجماعة.
وإذا فرعنا على المشهور فخرج وقد عمل بعض أجزاء الركعة، إما القراءة خاصة أو القراءة والركوع وسجدة واحدة، فإنه يلغي ذلك ويستأنف عمله إذا عاد.
وقال ابن الماجشون وابن حبيب: يبني على ما عمل من الركعة. وروى ابن وهب الجنوح إلى مثله، وأنه لو فعله الراعف لأجزأه.
ثم كيفية البناء أن يخرج ممسكا لأنفه، غر متكلم، ولا ماش على نجاسة، فيغسل الدم في أقرب المواضع، فإن تكلم عمدا، أبطل الصلاة، وإن تكلم سهوا ففي البطلان ثلاثة أقوال، في الثالث تبطل بالكلام في العودة دون المضي لغسل الدم، لضعف استدامة حكم الصلاة في حق الذاهب، وقوة استدامة حكمها في حق العائد لإقباله عليها. وإن مشى على نجاسة، كان كالمتكلم على ما فصلناه.
وإن تعدى مكانا تمكن من غسل الدم فيه إلى أبعد منه، بطلت صلاته.
وإذا فرغ من غل الدم على الشرائط المذكورة، رجع إلى الإمام، فأتم الصلاة معه.
وإن كان الإمام قد فرغ في غير الجمعة، أتم مكانه، أو في أقرب موضع يصلح للصلاة.
فإن كانت الجمعة، وكان قد عقد الإمام ركعة رجع أيضا إلى الجامع، فأتم به؛ إذ هو شرط الجمعة، وقيل: يتم بموضعه، وقيل: إن حال بينه وبين العودة حائل، أجزأته الصلاة في موضع غسل الدم، وإن لم يحل بينه وبين الجامع حائل، رجع إليه.
وإن كان لم يتم مع الإمام ركعة، ففي الكتاب: يبتدئ الظهر أربعا، قال سحنون: يبني على إحرامه، وروي أيضا أنه يقطع، ويبتدي بإقامة.
وقال أشهب: ويستحب أن يتكلم ويبتدئ، وإن بنى على إحرامه أجزأه، فإن كان سجد سجدة، فسجد أخرى وصلى ثلاثا أجزأه.
وحكم الظن في إكمال الإمام وعدم إكماله، حكم العلم، وإن أخطأ في ظنه عذر.

.الشرط الثالث: ستر العورة:

.والنظر في حدها، وحكم سترها، وصفة الساتر.

.النظر الأول: في حدها:

والمكلفون صنفان: رجال ونساء.
والنساء قسمان: حرائر وإماء.
فأما الصنف الأول: فأجمعت الأمة على أن السوءتين منهم عورة، واختلفوا فيما عد ذلك. وفي المذهب ثلاثة أقوال:
أحدها: أن لا عورة إلا السوءتان، الثاني: أن العورة من السرة إلى الركبة، وهما داخلتان في ذلك، والثالث: هذا التحديد، لكنهما غير داخلتين. وروى القاضي أبو الفرج ما ظاهره إيجاب ستر جميع بدن الرجل في الصلاة.
وأما القسم الأول من الصنف الثاني، فجميع أبدانهن عورة، إلا الوجه والكفين.
وأما القسم الثاني، فعورتهن كعورة الرجل.
وقال في الكتاب في الأمة الكبيرة تصلي بغير قناع، قال: ذلك سنتها، وكذلك المكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها، قال: ولا تصلي الأمة إلا وعلى جسدها ثوب تستر به جسدها.
وقال في السراري اللاتي لم يلدن: هن إماء، يصلين كما تصلي الأمة التي لم يتسررها سيدها.
وأما أمهات الأولاد، فإنهن يصلين كالحرة بقناع ودرع أو قرقل يستر ظهور القدمين.
فإن صلت أم الولد بغر قناع، فأحب إلي أن تعيد ما دامت في الوقت، وليس ذلك بواجب عليها كوجوبه على الحرائر.
فرع:
إذا افتتحت الأمة الصلاة بما لا يجزي الحرة من اللباس، فطرأ عليها العلم بالعتق في أثنائها، فإن كان سابقا لافتتاحها، فقيل: تقطع، وقيل: تتمادى.
وإن كان طروء العتق في أثناء الصلاة، فإن قلنا في الصورة أولى: تتمادى، فها هنا أولى بالتمادي، وإن قلنا ثم: تقطع، فها هنا قولان في القطع والتمادي.
ثم حيث قلنا بالتمادي فيهما، فذلك ظاهر إذا وجدت ما تستتر به في الصلاة، فإن لم تجد، فها هنا قولان في التمادي والقطع.

.النظر الثاني: في حكم الستر.

وهو واجب عن أعين الأنس، وهل يجب في الخلوات أو يندب إليه؟ قولان.
فِإذا قلنا: لا يجب فيها، فهل يجب للصلاة أو يندب إليه فيها؟ ذكر الشيخ أبو الطاهر عن أبي الحسن اللخمي، أنه حكى في ذلك قولين. ثم قال الشيخ أبو الطاهر: وليس كما ظنه، وإنما المذهب على قول واحد في وجوب الستر، لكن الخلاف في وجوب الإعادة في الوقت أو فيه وبعده على الخلاف في ستر العورة، هل هو من شروط صحة الصلاة، أم لا؟.
وقد ذكر القاضي أبو محمد: أن القاضيين أبا إسحاق وابن بكير والشيخ أبا بكر ذهبوا إلى أن الستر من سنن الصلاة، وهذا يعضد ما حكاه أبو الحسن اللخمي ويحققه.

.النظر الثالث: في صفة الساتر.

وليكن صفيقا كثيفا، ولا يكون شفا، ولا بحيث يصف، فإن كان شفا، فهو كالعدم مع الانفراد. وإن كان بحيث يصف وليس يشف فهو مكروه، ولا يؤدي إلى بطلان الصلاة.
هذا حكم القادر على الساتر، فإن عجز عنه، صلى عريانا قائما، يركع ويسجد.
فإن اجتمع عراة وأرادوا الجمع، فإن كانوا في ليل مظلم يأمنون من نظر بعضهم إلى عورة بعض، جمعوا، وتقدموا إمامهم، وإن كان الأكمل في الستر أن يصلوا صفا، صلوا كذلك.
وإن كان النهار أو الليل المقمر، فإن أمكنهم التباعد حتى يصلوا بموضع لا ينظر بعضهم إلى عورة بعض، فعلوا ذلك، وصولا أفذاذا إن خافوا النظر مع الجمع، ولا فرق في هذا بين الرجال والنساء.
وإن جمعهم موضع لم يمكنهم التباعد فيه، فهل ينتقلون إلى الجلوس والإيماء، أو يصلون قياما، ويؤمر كل واحد بغض بصره؟ ها هنا قولان للمتأخرين.
فروع:
الأول: لو وجد ساترا قبل الشروع لكنه نجس، صلى به، ولم يصل عريانا.
ولو اجتمع له حرير ونجس فبأيهما يصلي؟ قولان: مذهب الكتاب، الصلاة بالحرير، وقال أصبغ: بل يصلي بالنجس، ويعيد في الوقت.
وسبب الخلاف: النظر إلى تأكد النجس باختصاص منعه بالصلاة، أو إلى تأكد الحرير بعموم المنع فيه.
ولو لم يجد إلا حريرا، فالمنصوص لابن القاسم وأشهب أنه يصلي عريانا، ولا يصلي به. واستقرأ الإمام أبو عبد الله من تقدمته الحرير على النجس في الكتاب، أنه يصلي به، ولا يصلي عريانا.
الفرع الثاني:
من صلى بثوب حرير مع القدرة على ثوب طاهر من غيره، وليس عليه ما يواريه غيره، فصلى به اختيارا، ففيه ثلاثة أقوال: إثبات الإعادة مطلقا، ونفيها مطلقا، وتخصيصها بالوقت.
ولو كان عليه ما يواريه سواه، فقيل: لا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت.
وهكذا اختلف فيمن صلى متختما بالذهب على هذين القولين:
الفرع الثالث:
لو صلى عريانا لعدم الساتر، ثم طرأ عليه في أثناء الصلاة ما يستتر به، فهل يتناوله فيستتر به ويتمادى، أو يقطع ثم يستتر ويبتدئ؟ قولان. قال الإمام أبو عبد الله: وهما مبنيان على الخلاف في أن الستر مسنون أو مفروض.

.الشرط الرابع: ترك الكلام:

والعمد منه، لغير إصلاح الصلاة، مبطل لها، قل أو كثر، ويستوي في ذلك كل ما ينطلق عليه اسم الكلام من غير تحديد لحروفه، ولا تعيين لها.
والتنحنح لضرورة غير مبطل، ولغير ضرورة مبطل في أحد القولين، فإن تعذرت القراءة إلا به لم يضر، وفي الإبطال بالنفخ قولان.
ولا تبطل الصلاة بسبق اللسان هن ولا بكلام الناسي، وفي كلام الجاهل بتحريم الكلام خلاف، هل يلحق بكلام العامد، أو بكلام الناسي؟
وتبطل الصلاة بكلام المكره، وبالكلام الواجب لإنفاذ أعمى عن السقوط في مهلكة وشبهه.
ومصلحة الصلاة عذر في الكلام، فلا تبطل به الصلاة، وقال المغيرة: ليست بعذر، وتبطل الصلاة.
ولو قال: {ادخلوها بسلام آمنين}، على قصد التلاوة لم يضر، وإن قصد مع ذلك التفهيم، ولو لم يقصد سوى التفهيم. فقال ابن حبيب: لا يضر، وقال الإمام أبو عبد الله: قد يتدرج في ذلك قول بإبطال الصلاة قياسا على أحد القولين فيمن فتح بالقرآن على من ليس معه في صلاة.
ولو تنحنح قاصدا بذلك إسماع شخص، ففي صحة صلاته وبطلانها مع ذلك روايتان لابن القاسم وابن عبد الحكم.
وأما إن قهقه، فقيل: تفسد الصلاة، ويستوي في ذلك العمد والسهو والغلبة، وقيل: هي كالكلام، يبطل عمدها، دون غيره.
وأما مبدأ الضحك وهو التبسم، فروى ابن القاسم: لا اعتبار به لخفته، وروى ابن عبد الحكم: يسجد بعد السلام، لأنه كالزائد في الصلاة. وروى أشهب: يسجد قبل السلام، لأنه نقص من هيئة الخشوع والاستكانة.
قال القاضي أبو محمد: قول ابن عبد الحكم أصح.

.الشرط الخامس: ترك الأفعال الكثيرة.

والكثير ما يخيل للناظر الإعراض عن الصلاة بإفساد نظامها ومنع اتصالها، ولا تبطل بما دون ذلك من تحريك الأصابع في تسبيح أو حكة أو نحو ذلك، ولا بمشي يسير وإن كره، إذا لم يكن لمصلحة الصلاة، أو لما دعت إليه ضرورة، مثل مشي المسبوق إلى سترة عند مفارقة الإمام، ومثل قتل ما يحاذر، إنقاذ نفس أو مال على قرب، ولو تباعد بحيث يغير نظم الصلاة أبطلها، وإن وجب. ولو دفع المار بين يديه دفعا خفيفا لا يشغله عن صلاته لم يبطلها.
ولا يقطع الصلاة شيء يمر بين يدي المصلي، وليكن للإمام المنفرد حريم يمنع المارة بأن يستقبل جدارا أو سارية أو شبه ذلك، أو ينصب بين يديه مثل مؤخرة الرحل، ثم يصلي ولا يبالي بمن مر وراء ذلك، هذا إذا خشي المرور بين يديه، فإن أمن مهن ذلك، فلا يؤمر بالسترة. وروى ابن حبيب: أنه يؤمر بها وإن أمن، ولا يكفيه أن يخط على الأرض.
ثم المار بين يدي المصلي يأثم إن كانت له مندوحة عن المرور، ويختص بالإثم إن كان المصلي لم يتعرض للمرور بين يديه، وإن تعرض شاركه، ولا يأثم إن لم تكن له مندوحة، ولا المصلي إن لم يتعرض للمرور بين يديه، فإن تعرض حينئذ اختص بالإثم.
خاتمة:
للمحدث لحدث الأصغر المكث في المسجد، وليس للجنب ولا للحائض ولا للكافر، وإن أذن له المسلم، مكث ولا عبور، وقيل: بجواز عبور الجنب في المسجد.

.الباب السادس:

وهو نوعان:

.(النوع) الأول: سجود السهو:

وهو مأمور به عند ترك السنن التي أحصيناها في ما تقدم.
أما الأركان فجبرها بالتدارك دون السجود، إلا في ترك الفاتحة في ركعة على خلاف وتفصيل يأتي.
واعلم أن السهو، وإن كثرت فروعه ودقت بعض مسائله، فإنه بالالتفات إلى قوانينه وأصوله يسهل الوصول إلى تحصيله.
وأصوله تنحصر في ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: في مقتضيه:

.وهو ضربان: زيادة، ونقصان.

.الضرب الأول: الزيادة:

وهو قسمان:

.(القسم) الأول: في زيادة الأقوال:

فإن كثرت جدا أبطلت الصلاة كما تقدم، وإن كانت دون ذلك أجزأ عنها السجود. وقد قدمنا أن الكلام عمدا يبطل الصلاة وإن قل، إذا كان لغير إصلاحها، فإن كان لإصلاحها، كما لو سلم الإمام قبل إكمال الصلاة، فقال له بعض المأمومين: لم تكمل، فقال الإمام: أكملت، وكذلك لو سأل غير المتكلم أولا، فأخبره أنه لم يكمل فأتم، فإن صلاته وصلاتهم تصح على المشهور. وما فعلوه من الكلام والمراجعة حائز.
وتبطل عند ابن كنانة.
وقال سحنون: تبطل إلا أن يسلم من اثنتين في الرباعية، كما ورد في قصة ذي اليدين.
وقال ابن وهب: لا أرى لأحد أن يفعله اليوم، وكذلك قال ابن نافع، ثم قال: فإن فعل فلا أرى عليه استئناف الصلاة، ولا أحب له أن يعود.
فرع:
وإنما يجرع الإمام إلى قول المأمومين إذا غلب على ظنه ما قالوه بعد سلامه، أو شك فيه، فإن جزم الاعتقاد بخلاف ما قالوه، لم يرجع إليهم، إلا أن يكثروا جدا، بحيث يفيد خبرهم العلم، فإنه يرجع إلى خبرهم، ويترك اعتقاده.
وقال أشهب: إذا أخبره منهم رجلان عدلان بما صلى، رجع إلى قولهما.
وقال ابن حبيب: إذا صلى الإمام برجلين فصاعدا، فإنه يعمل على يقين من رواءه، ويدع يقينه، يريد الاعتياد.
فروع مرتبة:
الأول: إنه يبني إن كان قريبا، فإن طال الأمر وكثر الفعل ووقع اللغط والمراء، وترددت المراجعة بينهم، بعضهم مع بعض، بطلت الصلاة واستأنفها، وقيل: لا تبطل، بل يني وإن طال.
الثاني: حيث قلنا: يبني، فعليه أن يرجع إلى الصلاة بإحرام، ثم يكبر تكبيرة لقيام الثالثة.
وقال بعض المتأخرين: ليس ذلك عليه أن كان جالسا في مقامه، وإنما يفتقر إلى الإحرام لو قام بعد سلامه، أو فعل ما يوجب حاجته إلى الإحرام، واعترضه القاضي أبو الوليد، بأن الموجب للإحرام هو السلام دون ما عداه.
الثالث: إذا قلنا: يحرم، فهل يحرم قائما كالإحرام الأول، أو جالسا، لأنها الحالة التي فارق فيها الصلاة؟ قولان: حكي الأول عن بعض المتقدمين، والثاني لابن شلبون.
الرابع: إذا قلنا: يحرم قائما، فهل يجلس بعد ذلك القيام؟ قال ابن القاسم: يجلس ليأتي بالنهضة التي فعلها أولا في الصلاة. وروى ابن نافع: لا يجلس، وقال: إن النهضة غير مقصودة في نفسها، وقد فات محلها بالقيام، فلا يعود إليها.

.القسم الثاني: في زيادة الفعل.

فإن كان من جنس أفعال الصلاة، وقل، لم يبطلها، وهذا كزيادة ركعة في الرباعية.
وإن كثرت الزيادة، فكانت في الرباعية مثلها، فالمشهور المعروف من المذهب بطلان الصلاة، وروي القول بصحتها.
وإن كانت الزيادة فيها مثل نصفها، كما إذا صلى الرباعية ستا، ففي بطلانها قولان.
ولو كانت ثنائية فزاد فيها مثلها، كمن صلى الصبح أربعا، فإن قلنا بنفي البطلان في الرباعية إذا زاد فيها مثلها، فنفيه ها هنا في الثنائية أولى. وإن قلنا ببطلان تلك، ففي بطلان الثنائية ها هنا قولان.
وإذا فرعنا على البطلان، فزاد في الثنائية ركعة، ففي بطلانها أيضا قولان، منشؤهما النظر إلى الزيادة في نفسها، وهي يسيرة، أو بنسبتها إلى الصلاة، وهي مثل نصفها، وفي إلحاق الثلاثية بالرباعية أو بالثنائية قولان.
ثم حيث حكمنا في هذه الصورة بصحة الصلاة، سجد بعد السلام، وكل هذا إذا زاد سهوا.
فأما العمد فمبطل للصلاة، ولو كانت الزيادة سجدة واحدة. وإن كانت الزيادة جهلا جرى حكمها على الخلاف في الجاهل، هل يلحق بالعامد أو بالناسي، وإن كانت الزيادة من غير جنس الصالة أبطلتها أيضا، إن فعلت عمدا، وكذلك لو كثرت. وإن فعلت سهوا، فإن كانت مع السهو يسيرة، أجزأه عنها سجود السهو.

.الضرب الثاني: النقصان.

وهو يتنوع إلى نقص ركن وسنة وفضيلة.
فإن نقص ركنا:
غير القراءة، لم ينب عنه إلا الإتيان به، فإن فاته محله من الركعة، بطلت تلك الركعة.
فلو أخل بالركوع أو بالسجود، فإنه يتلافى ذلك ما لم يعقد الركعة التي بعد الركعة التي أسقط منها. وعقدها رفع الرأس من الركوع، وقيل: وضع اليدين على الركبتين، وليرجع إلى القيام، ثم يركع، ويستحب له أن يقرأ قبل أن يركع، وقيل: يرجع إلى الركوع.
ولو أخل بالركوع من ركعة، وبالسجود من التي تليها، لم يجزئه ركوعه للثانية عن ركوع الأولى.
وكذلك لو أخل بالسجود من الأولى، وبالركوع من الثانية، لم يجزه سجوده للثانية عن سجود الأولى على المنصوص.
ولو نسي أربع سجدات من أربع ركعات، أصلح الرابعة بالسجدة التي أخل بها منها، وبطل ما قبلها، وتجري كثرة السهو فيها على الاختلاف المتقدم.
وإن نسي السجدات الثمان، فلم يحصل له سوى ركوع الرابعة، فليبن عليه.
قال سحنون: ولو صلى الإمام ركعة وسجد سجدة، ثم قام ساهيا، فليسبحوا به، ولينتظروا رجوعه، ما لم يخافوا أن يعقد الركعة، فيقوموا حينئذ فيصلوها معه، فتكون أول صلاتهم، وتبطل الأولى، فإذا جلس فيها قاموا، فإذا صلى الثالثة عنده وقام، فليقوموا كإمام قام من اثنين، فإذا صلى بهم الرابعة عنده وجلس، فيقوموا كإمام قعد في ثالثة، فإن استفاق الإمام، قام فصلى بهم ركعة بأم القرآن، وسجد قبل السلام، وإن لم يستفق، فليأتوا بركعة يؤمهم فيها أحدهم، وإن صلوها أفذاذا أجزأتهم، ويسجدون قبل السلام، وسلام الإمام ها هنا على المشهور بمنزلة الحدث.
وإن أخل بقراءة الفاتحة في ركعة من الرباعية، ففي الكتاب ثلاثة مذاهب.
الأول: أنه يلغي الركعة، وهو بناء على فرضية القراءة في كل ركعة.
والثاني: أنه يسجد لسهوه، وتصح صلاته، وهو بناء على أن فرضيتها في الجل أو في الجملة، لا في كل ركعة.
والثالث: أنه يسجد لسهوه ويعيد، وهذا للتردد بين المذهبين. ثم هل تكون الصلاة مجزية على هذا القول والإعادة مراعاة للخلاف، أو الإعادة هي الواجبة، لكن يتمادى مراعاة للخلاف؟ في ذلك خلاف له فائدتان.
الأولى: لو ظهر له بطلان إحداهما.
والثانية: إطلاق الإعادة أو تخصيصها بالوقت.
وأما محل سجوده، فإن جلس بعد ركعتين صحيحتين قرأ فيهما بأم القرآن، فسجوده بعد السلام لتمحض الزيادة بما ألغاه، وإلا كان سجوده قبل السلام لاجتماع زيادة ما ألغاه، ونقص الجلوس، وقراءة السورة من الثانية التي ظنها الثالثة إذا تأخر ذكره عن فعلها.
فلو كان المتروك آية من الفاتحة، فقال عبد الحق: حكى الشيخ أبو عمران عن القاضي إسماعيل أنه قال: يجب، على المذهب، أن يسجد قبل السلام، وفيها قول آخر: أنه لا يسجد.
فرع:
ويلتحق بتحقق النقصان الشك فيه، فمن شك هل أخل بركن أم لا؟ وجب عليه الإتيان به، كما يجب على من تيقن أنه أخل به، إلا أن يكون موسوسا، فيبني على أول خاطريه لمشابهته فيه للعقلاء.
ولو ذكر في الركعة الرابعة أنه أخل بسجدة، أو شك هل أخل بها أم لا؟ ولم يدر محلها، فقال ابن القاسم: يأتي بسجدة، ثم بركعة، لجواز أن تكون من الأخيرة.
وقال أشهب: يأتي بركعة فقط.
ولو سلم من الصلاة ثم ذكر سجدة من الركعة الأخيرة، فهل يكون السلام حائلا بينه وبين التلافي، أم لا؟ قولان، أحدهما: أنه يكون حائلا، فيقوم فيأتي بركعة. والثاني: أنه لا يكون حائلا، فيسجد.
هذا حكم الإخلال بالأركان على الجملة.
وبقي منها السلام، فإن أخل به، ولم يطل الأمر بجع إلى الجلوس وسلم وأجزأه.
وإن طال بطلت الصلاة على المشهور. والشاذ: أنها لا تبطل، إلا أن تنتقض الطهارة.
فروع:
إذا رجع ليأتي بالسلام، رجع بتكبير على المشهور مراعاة للخلاف، ووقع ما ظاهره أنه لا يؤمر.
وإذ فرعنا على المشهور، فهل يوقعه قائما، أو بعد أن يجلس؟ قولان: ثم هل عليه أن يتشهد ليقع السلام عقب تشهد عار من فاصل بينه وبين السلام؟ أو يكفي تشهده الأول، لكون هذا الفصل غير معتبر في إبطال الصلاة، ولا يتشهد في جلوس واحد مرتين، قولان أيضا.
فأما السنن:
فإن أخل بها عمدا، ففي بطلان صلاته خلاف، وإذا قلنا بالصحة، فلا يسجد، وقيل: يسجد.
وإن أخل بها سهوا، فإن كانت فعلا، فإنه يؤمر بالسجود. وكذلك إن كانت قولا، على المشهور. وقيل: لا سجود عليه.
وإذا فرعنا على المشهور، فإنه يسجد قبل السلام، كنقص الأفعال. وقيل: بعده، لضعف الأمر به.
وهذا ما لم تقل الأقوال جدا، كالتكبيرة ونحوها، فلا يكون فيها سجود. وقيل: يسجد وإن قلت.
ولا خفاي بأنه يسجد لترك الجلوس الأول لاشتماله على أفعال وأقوال، وقد سجد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعد تاركا له إذا استوى قائما. وإن ذكر قبل استوائه وهو بين القيام والجلوس، فإن استقل وفارق الأرض، تمادى على قيامه؛ لأنه بمفارقته الأرض حصل تاركا للجلوس. وقيل: يرجع ما لم يستو قائما.
وإن نهض ولم يفارق، رجع ولا سجود عليه على المشهور، وقيل: يسجد.
فرع:
لو رجع بعد الاستقلال، فقال ابن القاسم وأشهب وعلي بن زياد: لا تفسد صلاته.
وقال ابن سحنون: تفسد، وقيل: تفسد إذا فعل ذلك عن قصد، وتأول بعض المتأخرين على ابن سحنون: أنه أراد القصد.
وإذا قلنا بالصحة، فقيل: يسجد بعد السلام لزيادة القيام، وقيل: قبله، لأن السجود قد ترتب عليه باعتداله قائما ونقصه الجلسة، وعوده إلى الجلوس زيادة بعد تحقق النقص، فلا يغير محل السجود.
وعلى هذا الخلاف تخرج إطالته للجلوس حتى يكمله، لأن الزيادة قد تجردت بحصول القيام الذي رجع عنه، والجلوس لم يأت به، ولا بعوض عنه، أو رجوعه حين يذكر ولا يتمادى، لأنه قد عوض عن الجلوس المتروك بهذا السجود الذي قبل السلام، ولا يجتمع العوض والمعوض عنه، وفي ذلك قولان.
وإن أخل بالفضائل:
فلا سجود عليه، وتجزيه الصلاة لضعف أمر المتروك.

.الفصل الثاني: في كيفية السجود:

.والنظر في عدده وصفته:

.(النظر) الأول: في عدده:

وهو سجدتان قل أو كثر، كان من إحدى الجهتين، أو من كلتيهما.

.النظر الثاني: في صفته:

وليكبر لهما في ابتدائهما، والرفع منهما، وفي افتقاره إلى نية الإحرام، وفي ذلك للتين بعد السلام روايتان. ويتشهد للتين بعد السلام ويسلم، وفي التشهد للتين قبله روايتان، ويكفى السلام من الصلاة لهما، ويجهر بالسلام من اللتين بعده، وروي أنه يسر به.

.الفصل الثالث: في محل السجود وأحكامه.

وهو آخر الصلاة، ثم هو بعد السلام إن كان لزيادة محضة، وقبله إن انضاف إليها نقصان أو تمحض.
وروي ما يشير إلى نفي تأكد هذه الرتبة، وأنه يجوز أن تخالف، فيؤتي بالجميع قبل أو بعد، ويتفرع على المشهور فرعان:
الأول: من صلى النافلة خمسا، هل يسجد قبل السلام لنقض السلام هن أو لنقض الجلسة، على الخلاف في ذلك، أو يسجد بعد السلام للزيادة على اثنتين؟ قولان.
الفرع الثاني:
لو قدم قبل السلام ما محله بعده، لم تبطل صلاته، وقال أشهب: تبطل إن كان عامدا.
وإذا فرعنا على الأول، فهل يؤمر بإعادته بعد الصلاة ليقع في محله المشروع؟ فيه خلاف.
وإن سها أن يسجد قبل السلام ما محله قبله، سجده عبده ما لم يطل، أو ينتقض وضوؤه، فإن كان ذلك، فروي أن الصلاة تفسد من غير اعتبار بالمتروك الذي كان السجود عوضا عنه. وروي أن الإعادة إنما تجب إذا كان عوضا عن بعض الأفعال ولم تعتبر الأفعال على الإطلاق، ولا اعتبر شيئا من الأقوال.
وقال في المختصر: إنما يعيد الصلاة إذا كان السجود عوضا عن الجلسة الأولى، أو أم القرآن من ركعة، وأوجب ابن القاسم الإعادة في أحد قوليه إذا كانت عوضا عن ثلاث تكبيرات، أو عن قول: سمع الله لمن حمده، ثلاث مرات.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا إعادة عليه، وإن كانت عوضا عن الجلسة الأولى، أو ترك القراءة من ركعة، فحكم بصحة الصلاة مع الترك على الإطلاق، بعكس القول الأول.
فرع:
ولو لم يذكر السجود حتى تلبس بصلاة أخرى، فإن فرعنا على القول بأن الصلاة لا تبطل بتأخره، لم يؤثر ذكره في الصلاة، ولكنه يوقعه بعد فراغها.
وإن فرعنا على القول ببطلان الصلاة لترك السجود على الإطلاق، أو حكم ببطلانها على تفصيل، فكان هذا السجود مما اقتضى التفصيل الإبطال به، فإنه أن ذكره ولم يركع لا أطال قراءته في هذه التي هو فيها، يعود إلى إصلاح الأولى بالسجود ويقدر هذا الفاصل كالعدم، ما لم يكن سجود السهو من نافلة، والذكر في فريضة، فلا يقطعها لحرمتها وعلو قدرها عن قدر النافلة، وإن لم يذكر إلا بعد أن طال القراءة أو ركع، فإنه يكون كذاكر صلاة وهو في صلاة أخرى.
خاتمة للنوع بذكر ثلاث مسائل:
الأولى: من شك في عدد ما صلى، فلم يدر أثلاثا أم أربعا، فإن كان سالم الخاطر، طرح المشكوك فيه، وبنى على المتقين له، وهو أقل العددين المتردد بينهما، فيكمل عليه، ويسجد بعد السلام، وقيل: قبله.
وإن كان موسوسا بنى على أول خاطريه، في وجود الكمال وعدمه لمشابهته فيه للعقلاء.
فرعان:
الأول: لو سبق إليه أنه أكمل فعمل على ذلك، فهل يسجد؟ قولان:
الفرع الثاني:
وهو مرتب عليه، إذا قلنا: أنه يسجد، فهل قبل السلام، لأنه يجوز النقص، أو بعده لأن هذا النقص مطرح، وإنما يسجد ترغيما للشيطان؟ قولان أيضا.
المسألة الثانية: من قام إلى خامسة رجع متى ذكر، وسجد بعد السلام، فإن كان إماما، واختلف حال المقتدين به، فجلس قوم لم يتبعوه، واتبعه آخرون، لكن منهم من تبعه سهوا، ومنهم من تبعه عمدا، فأما من جلس فصلاته صحيحة، وكذلك من تبعه سهوا.
وأما من تبعه عمدا، فإن علم أنه لا يجوز له اتباعه، بطلت صلاته، وإن جهل، فظن أنه يلزمه اتباعه، ففي بطلان صلاته قولان، منشؤهما أنه كالعامد أو كالناسي.
فرع:
فلو قال الإمام: إنما قمت لأني نسيت من إحدى الركعات الأول سجدة مثلا.
فأما من جلس فلا يخلو من أن يوقنوا بكمال صلاتهم وصلاة إمامهم، أو يوقنوا بكمال صلاتهم دون صلاة إمامهم، أو يشكوا.
فإن أيقنوا بكمال الصلاتين، لم يلزمهم اتباعه، وكانت صلاتهم صحيحة.
وإن أيقنوا بكمال صلاتهم دون صلاته، فقيل: يكتفون بكمال صلاتهم ولا يتبعونه.
وقيل: يتبعونه، لأنهم في حكم المصلي الواحد، فيتعدى الإخلال إليهم. وإن شكوا في الصلاتين لزمهم اتباعه.
ثم حيث لا يلزمهم اتباعه، تصح صلاتهم، وحيث يلزمهم لا تصح على المنصوص.
وقال أبو الحسن اللخمي: تصح، لأنهم معذورون في ترك الاتباع.
وأما من تبعه متعمدا، فإن كان لعلمه بالإسقاط، فلا شك في صحة صلاته، وإن قصد إلى العمد في الاتباع من غير علم بذلك، فتجري صحة صلاته على الخلاف فيمن تعمد زيادة في صلاته، ثم انكشف له وجوبها عليه لإخلاله بشيء مما تقدم.
وأما من تبعه سهوا، فتصح صلاته، وهل يلزمه قضاء ركعة متى لزمه حكم ما أسقطه الإمام من السجود أم لا؟ في ذلك قولان:
أحدهما: أن هذه الركعة التي تبع فيها الإمام سهوا، تنوب له عما لزمه من القضاء. والثاني: أنها لا تنوب له.
وهو كالخلاف فيمن ظن أنه أكمل، فأتى بركعتي نافلة، ثم تذكر أنه إنما صلى ركعتين، ففي نيابة هذه النافلة عما وجب عليه الخلاف.
ولو كان مع الإمام مسبوق، فاتبعه في هذه الخامسة التي أصلح بها الإمام ما أخل به متقدما، فهل تنوب له عن ركعة مما سبق به أم لا؟ في ذلك قولان بناهما الشيخ أبو الطاهر على كون الإمام فيها بانيا أو قاضيا.
المسألة الثالثة: في سهو المأموم.
وقد روي أبو الحسن الدار قطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس على من خلف الإمام سهوا، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه».
ولا خلاف أن الإمام سهو المأموم، كما يلزم المأموم سهو الإمام، وإن لم يسبه معه، ولا حضر سهوه، بأن يكون مسبوقا.
ثم المسبوق يسجد بسجود إمامه إن كان قبل السلام، وقد عقد معه ركعة، فإن كان لم يدرك معه ركعة، لم يتبعه عند ابن القاسم، وقال سحنون: يتبعه.
وأما إن كان سجوده بعد السلام، فلا يسد معه، ثم هو مخير بين أن يجلس حتى يفرغ إمامه من السجود فيقوم للقضاء، وبين أن يقوم بعد سلام الإمام، ويتركه متشاغلا بالسجود.
واستحب ابن القاسم قيامه من غير انتظار، واختار غيره قيامه بعد سلام الإمام.
ثم إذا أكمل صلاته وسلم سجد، ولو لم يسجد الإمام سجد المأموم، ولو سها بعد مفارقة الإمام سهوا بزيادة أجزأ سجود واحد بعد السلام عن السهوين. وإن كان بنقص، فالمنصوص أنه يسجد بعد السلام تغليبا لحكم الإمام.
وقال الشيخ أبو الطاهر: يجري على قولنا: أنه في حكم المنفرد في القضاء، أن يسجد قبل السلام، قال: لأنه قد اجتمع عليه زيادة، وهي ما لزمه من حكم الإمام، ونقص، وهو ما طرأ له في نفسه.
ولو سجد مع الإمام قبل السلام، ثم سها بعد مفارقته له، ففي سجوده لذلك السهو خلاف، قال الشيخ أبو الطاهر: ولعله يجري على الخلاف فيما يأتي به، هل يكون فيه قاضيا، فيكون حكم الإمام منسحبا عليه، أو بانيا فيكون كالمنفرد.

.النوع الثاني: سجود التلاوة.

وقد اختلف المتأخرون في حكمه، فقال القاضي أبو محمد: هو فضيلة، وهو طريق أبي القاسم بن الكاتب استقراء من الكتاب. واستقرأ أبو القاسم بن محرز منه أنه سنة.
وعدة السجدات إحدى عشرة، أولها آخر الأعراف، وآخرها في سجدة المؤمن وسجدة (ص) داخلة فيها، وثانية الحج خارجة عنها. وهي خاتمة الأعراف، وفي الرعد: {بالغدو والآصال}، وفي النحل: {ويفعلون ما يؤمرون}، وفي بني إسرائيل: {ويزيدهم خشوعا}، وفي مريم: {خروا سجدا وبكيا}، وفي أول الحج: {الله يفعل ما يشاء}، وفي الفرقان: {وزادهم نفورا}، وفي النمل: {رب العرش العظيم}، وفي سجدة {الم تنزيل}: {وهم لا يستكبرون}، وفي (ص): {وخر راكعا وأناب}، وفي سجدة المؤمن: {إن كنتم إياه تعبدون}.
وقال ابن وهب وابن حبيب: عدتها خمس عشرة، أضافا إلى ما تقدم سجدة آخر الحج، وثلاثا في المفصل آخر النجم، وسجدة الانشقاق، وآخر القلم.
وروي أن عدتها أربع عشرة، وهو ما عدداه سوى سجدة آخر الحج، ثم جمهور المتأخرين يرون أن هذا الخلاف قول على ظاهره، وحماد بن إسحاق، أخو القاضي أبو إسحاق، والقاضي أبو محمد لا يعتدان ذلك خلافا في الحقيقة، ويقولان: السجود في الجميع مأمور به، كما ذكر ابن وهب وابن حبيب، وإنما الإحدى عشرة هي العزائم كما ذكر مالك في الموطأ، فهي آكد مما عداها لا غير.
ثم السجدة على القارئ وعلى المستمع، إن كان القارئ ممن تصح إمامته، وليست على غير المستمع، وإن كان سامعا، وغير المستمع من لم يقصد الاستماع، أي لم يجلس للقارئ، ولا على المستمع إذا كان مسمعه عديم الصلاحية للإمامة، ويؤمر المستمع بالسجود وإن تركه القارئ، وقيل: لا يؤمر، فإن كان في الصلاة.
فأما في النافلة، فيسجد بقراءة نفسه إن كان منفردا، أو في جماعة يأمن التخليط، فإن كان في جماعة لا يأمن ذلك فيها، فالمنصوص أيضا جوازه، لما ثبت من فعل الأولين في صلاة النفل في رمضان وهم يختمون، فيمرون بالسجدة فيسجدون.
وأما في الفريضة، فالمشهور النهي عن السجود فيها، والشاذ جوازه، ولا يختلف الحكم بأن تكون صلاة سر أو جهر، جماعة أو فرادى. وقد علل المشهور بكونها زيادة في أعداد سجود الفريضة. ثم حيث قرأ السجدة وعول على السجود بها، فليجهر بها، ليعلم من خلفه أنه إنما يسجد للتلاوة، فإن لم يجهر وسجد، فهل يتبع في السجود للزوم متابعة أو لا يتبع لجواز أن يكون سجد ساهيا ولم يقرأ آية سجدة؟ في ذلك قولان في السليمانية لابن القاسم وسحنون.
ثم هذه السجدة واحدة، وإن كانت تفتقر إلى الشرائط المعتبرة في الصلاة من الطهارتين والستر والاستقبال إلا الإحرام والسلام، ويكبر للسجود عند الهوى والرفع منه إن كان في صلاة، وإن لم يكن في صلاة، ففي الكتاب ثلاثة أِقوال: الأمر بالتكبير، وكراهته، وخيره ابن القاسم.
فروع ثلاثة:
الأول: في مواضع السجود من الآي، وقد اختلف في ثلاثة منها، الأول: في سجدة (ص)، فقال الشيخ أبو الحسن: عند قوله: {وخر راكعا وأناب}، وقال ابن حبيب: عند قوله: {وحسن مآب}.
الثاني: في سجدة المؤمن، فقيل: عند قوله تعالى: {إن كنتم إياه تعبدون}.
وقال ابن وهب: عند قوله: {وهم لا يسئمون}.
الثالث: في سجدة الانشقاق، فقال ابن حبيب: في آخر السورة، وقال القاضي أبو محمد: عند قوله: {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}.
وسبب الخلاف في الجميع: النظر إلى سبب السجود، أو إلى كمال الثناء على المطيعين.
الفرع الثاني:
قارئ السجدة إذا جاوزها بيسير سجدها، وإن جازها الكثير رجع إليها، فقرأها وسجد، ثم عاد إلى حيث انتهى في القراءة. وكذلك حكم المصلي يقرؤها، فإن لم يذكرها المصلي حتى رفع رأسه من ركوع الركعة التي هو فيها، فإن كان في فرض لم يعد إلى قراءتها، قاله في الكتاب.
وقال ابن حبيب: قال مالك وأصحابه: يعود إلى قراءتها في الثانية ويسجد، وإن كان في نافلة، فإنه يعود إلى قراءتها في الثانية ويسجد.
واختلف المتأخرون، هل يسجد قبل قراءة أم القرآن أو بعد قراءتها؟ على قولين: لأبي بكر بن عبد الرحمن والشيخ أبي محمد.
فإن لم يذكر المصلي للنافلة السجدة حتى رفع من ركوع الركعة الثانية، فقد فاته السجود وقضاؤه في هذه الصلاة.
وقال أشهب: بل يسجد ولو لم يذكر إلا وهو جالس، لم يسلم أو قد سلم.
وإن ذكر وهو راكع، مضى على ركوعه، وقال أشهب: بل ينحط للسجود.
وسبب الخلاف: الاختلاف في عقد الركعة، هل هو تمام الانحناء، أو رفع الرأس؟.
ولو قصد بالركوع السجدة، لم تحصل له، لأنه إن قصد بفعله الإتيان بما عليه من الركوع فقد ألغى السجدة، وإن قصد السجدة، فقد أحالها عن صفتها، وأزالها عن هيئتها، ونحا ابن حبيب إلى إجازة ذلك.
ولو لم يتعمد الركوع، ولكنه أراد السجود لها، فركع ناسيا، فهل يعتد بركوعه أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه لا يعتد به، فإن كر وهو منحن خر لسجدته، وإن ذكر وقد رفع لم يعتد بركعته وألغاها، وهذا مذهب ابن القاسم.
والثاني: أنه يعتد بركعتهن وإلى هذا ذهب مالك رضي الله عنه، فإن ذك وهو منحن، رفع متمما للركعة، وإن ذكر بعد أن رفع، فقد تمت الركعة، ويقرأ السجدة فيما عبد، على حسب ما تقدم.
وسبب الخلاف. الاختلاف في الاعتداد بهذه الركعة، وأن الانحطاط للركوع لم يكن بنيته، بل بنية السجود، وهو نفل والركوع فرض.
فإن قلنا: إن الحركة إلى الأركان غير مقصودة، فقد وجد الركوع المقصود وصح.
وإن قلنا: إن الحركة إلى الأركان مقصودة في نفسها، وقلنا: إن الخروج عن نية الفرض إلى نية النفل لا يمنع الاعتداد؛ كمصلي نفل وهو في فرض يعتقد أنه أكمل، اعتد هذا بركعته، وإن قلنا: إنه يمنع الاعتداد، لم يعتد هذا بركعته.
وإذا قلنا: بنفي الاعتداد، فذكر وهو منحن فخر ساجدا، فهل عليه سجود أم لا؟
وقال ابن حبيب: إن طال الركوع، سجد بعد السلام، وفسر الشيخ أبو محمد الطول بالطمأنينة في الركوع.
وإن قلنا بالاعتداد بالركعة، ففي المجموعة: يقرأ السجدة فيما بقي من صلاته، ويسجد بعد اللام، وإن لم ير المغرية في هذا سجودا.
قال الإمام أبو عبد الله: والذي قاله المغيرة هو الأصل؛ إذ ليس ها هنا زيادة تقتضي السجود بعد السلام، قال: ولا يظهر عندي وجه على مقتضى أصل المذهب، إلا أن يعتقد عن الحركة إلى الركوع لما حولت النية فيها صارت كالعدم، وعدمها لا يمنع الاعتداد، ولكنه نقص يقتضي السجود، ومقتضى النقص أن يكون قبل السلام، لكنهم ربما أخروه إلى ما عبد السلام؛ إذ كان إثبات السجود فيه ضعيفا احتياطا للصلاة، لئلا تقع فيها زيادة، كقول أشهب في ناسي التكبير، يسجد بعد السلام لضعف السجود فيه، فاحتيط فيه من الزيادة في الصلاة.
الفرع الثالث:
في سجود الشكر.
والمشهور من المذهب كراهية السجود ند بشارة أو مسرة وإنكاره، بل يؤمر بالاقتصار على الشكر، والحمد باللسان. وحكى القاضي أبو الحسن رواية بالجواز، وهو مذهب ابن حبيب.